recent
أخبار ساخنة

**طه حسين: إرث عميد الأدب العربي المكتشف من جديد في "خطب طه حسين المجهولة"**

الصفحة الرئيسية

 

**طه حسين: إرث عميد الأدب العربي المكتشف من جديد في "خطب طه حسين المجهولة"**

 

يظل الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، قامة فكرية وأدبية شامخة، يتجاوز تأثيره حدود عصره ليشمل الأجيال اللاحقة. فبعد مرور أكثر من نصف قرن على رحيله، ومع وجود عشرات الكتب والدراسات التي تناولت أعماله الأدبية والفكرية، ما زال إرث طه حسين الثقافي وإنتاجه المتنوع يشكل ميدانًا خصبًا للبحث والتنقيب وإعادة الاكتشاف.

يظل الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، قامة فكرية وأدبية شامخة، يتجاوز تأثيره حدود عصره ليشمل الأجيال اللاحقة. فبعد مرور أكثر من نصف قرن على رحيله، ومع وجود عشرات الكتب والدراسات التي تناولت أعماله الأدبية والفكرية، ما زال إرث طه حسين الثقافي وإنتاجه المتنوع يشكل ميدانًا خصبًا للبحث والتنقيب وإعادة الاكتشاف.
**طه حسين: إرث عميد الأدب العربي المكتشف من جديد في "خطب طه حسين المجهولة"**


**طه حسين: إرث عميد الأدب العربي المكتشف من جديد في "خطب طه حسين المجهولة"**

  •  هذا ما يتجسد بوضوح في الإصدار الحديث لدار إشراقة بالقاهرة، حيث يرى النور كتاب "خطب طه
  •  حسين المجهولة" للروائي المصري سامح الجباس، الذي بذل جهدًا استثنائيًا في جمع وتصنيف هذه
  •  الخطب الشفاهية التي ألقاها عميد الأدب العربي في فعاليات ثقافية وسياسية مختلفة، لتُنشر في كتاب
  •  للمرة الأولى.

**رحلة اكتشاف كنوز طه حسين الخفية**

 

كان طه حسين ضيفًا دائمًا في العديد من المناسبات الثقافية والسياسية الهامة، حيث ألقى خطبًا لا تقل جمالًا أو أهمية عن مقالاته ودراساته المنشورة. هذه الخطب، التي تمثل جزءًا أصيلًا من تراث طه حسين الفكري، لم تُجمع في كتاب أثناء حياته، ولم يهتم الكثير ممن كتبوا عنه طوال السنين الماضية بالبحث عنها أو حتى بمعرفة وجودها. 

  1. هذا الواقع يلقي الضوء على حجم المجهود الذي بذله الروائي سامح الجباس في جمع هذه الخطب
  2.  المجهولة بعد زمن طويل من إلقائها، مقدمًا بذلك خدمة جليلة للمكتبة العربية والباحثين في أعمال
  3.  عميد الأدب العربي.

 

في مقدمته للكتاب، يسلط الجباس الضوء على التحديات الهائلة التي واجهته في هذه المهمة، قائلًا: "وأقرّ أنني لاقيت صعوبات كثيرة، وعوائق متعددة، فأن تبحث في عام 2025 عن خطبة ألقاها الدكتور طه حسين منذ 97 عامًا، مثل خطبته في تأبين السياسي عبد الخالق ثروت عام 1928، فإنك تقوم بمهمة عالم الآثار الذي يبحث عن مقابر فرعونية مجهولة المكان وسط صحراء لا حدود لها.

 ولكن قيمة الهدف الذي أسعى إليه، وقيمة إعادة الحياة لهذه الخطب كان يستحق ما بذلته من مجهود وتعب للحصول عليها." هذه الكلمات تعكس العزيمة والإصرار على إحياء جزء هام من تراث طه حسين.

 

**محتوى الكتاب نظرة شاملة على فكر طه حسين**

 

يضم الكتاب "خطب طه حسين المجهولة" عشرين خطبة قيمة، يقدم الجباس لكل منها نبذة سريعة عن المناسبة التي أُلقيت فيها، وسياقها التاريخي، وتاريخ ومكان إلقائها، ثم يأتي نص الخطبة كاملاً، يعقبه تعقيب كتبه الجباس يدون فيه عددًا من الملاحظات عن الخطبة وأهميتها في سياق فكر طه حسين. تتنوع موضوعات هذه الخطب بين السياسي والثقافي والاجتماعي، وقد أثار فيها الدكتور طه حسين قضايا ساخنة وسبّاقة لزمنها، وتناول الكثير من القضايا التي لا تزال حاضرة حتى الآن، مما يؤكد بعد نظره وعمق فكره.

 

  • من أبرز هذه القضايا التي تناولها طه حسين في خطبه: الصعوبات التي تواجه الأدباء وتصيبهم
  •  باليأس، وأهمية الشعر ودوره في النهضة الفكرية، ومكانة اللغة العربية وضرورة تبسيطها. فقد
  •  استشرف عميد الأدب العربي الخطر القادم على اللغة العربية ومستقبلها، محذرًا من هوان اللغة
  •  العربية على الناس وإهمالها، داعيًا إلى الحفاظ على مكانتها وتطويرها بما يتناسب مع روح العصر.

 

**أقسام الكتاب رحلة متعمقة في خطاب طه حسين**

 

ينقسم كتاب "خطب طه حسين المجهولة" إلى ثلاثة أقسام رئيسية، كل قسم يلقي الضوء على جانب معين من خطابات عميد الأدب العربي:

 

**القسم الأول: الخطب الداخلية في مصر**

يضم هذا القسم ثلاثة عشر خطبة ألقاها طه حسين في محافل ثقافية ووطنية داخل مصر. من هذه الخطب الهامة:

*   **خطاب العميد إلى وزير المعارف العمومية محمد حسنين هيكل باشا (1938):** تناول هذا الخطاب دعوة طه حسين لتيسير النحو وإصلاح الكتابة العربية بما يواكب النهضة الحديثة، وهي قضية شغلت الكثير من المفكرين في تلك الفترة.

*   **كلمته في جلسة افتتاح مؤتمر مجمع اللغة العربية (4 يناير 1948):** كانت بعنوان "فن من الشعر يتطور بأعين الناس"، وتبرز اهتمام طه حسين بتطور الأدب والشعر ودورهما في المجتمع.

*   **خطبة ألقاها في حفل مجمع اللغة العربية (26 يناير 1950):** بمناسبة استقبال الكاتب محمود تيمور بعد صدور المرسوم الملكي بتعيينه عضوًا في المجمع. وقد ألقاها طه حسين بصفته وزيرًا للمعارف وعضوًا بالمجمع، مما يعكس مكانته المزدوجة في الحياة الثقافية والسياسية.

*   **خطابه في الجلسة العلنية التي عقدها المجمع (8 مايو 1954):** لاستقبال الزميل الجديد محمد توفيق دياب، حيث يظهر اهتمامه بدعم الكفاءات الأدبية والفكرية.

*   **كلمته بصفته الرسمية وزيرًا للمعارف (22 نوفمبر 1951):** بمناسبة احتفال الوزارة بحصول زعيم إيران محمد مصدق على الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا).

*   **كلمته في الاتحاد الثقافي (يناير 1953):** وكانت بعنوان "جناية العصر الحديث على الأديب". وهي الكلمة نفسها التي سبق أن ألقاها في مؤتمر الفنانين بالبندقية بإيطاليا تحت رعاية اليونسكو سنة 1952، ثم عندما عاد إلى مصر أعاد إلقاءها مختصرة في نادي الاتحاد الأدبي، حسبما يوضح الجباس في تعقيبه عليها.

*   **كلمته في الدورة الثالثة من مؤتمر الأدباء العرب بالقاهرة (9 إلى 15 ديسمبر 1957):** بعنوان "الأدب والقومية العربية"، وهي تُظهر رؤيته للعلاقة بين الأدب والهوية القومية.

*   **كلمته في مؤتمر تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية بالقاهرة (26 ديسمبر 1957 إلى 1 يناير 1958):** تعكس اهتمامه بالقضايا التحررية والتضامن الدولي.

*   **خطبة طريفة في الجلسة التي عقدها مجمع اللغة العربية (17 مايو 1954):** لاستقبال الكاتب توفيق الحكيم، بمناسبة تعيينه عضواً عاملاً في المجمع. فيها يمازح طه حسين الحكيم بقوله: "أنت تتكلف من الخصال ما ليس فيك، أنت جوّاد وتزعم أنك بخيل، وأنت ماهر ماكر، ومداور ومناور، وتزعم مع ذلك أنك ساذج لا تفرق بين ما ينفع وما يضر.

 وأنت صاحب جد في حياتك، وصاحب جدٍ منتج، وقد ألقيت في روع الناس أنك لا تحسن إلا العبث والدعابة. وكذلك صورت نفسك للناس بصورة ليس بينها وبين الحق من أمرك صلة، فخير أسلوب يمكن أن يتبع في تقديمك إلى المجمع هو هذا الأسلوب الذي قدم به الجاحظ خصمه أحمد بن عبد الوهاب. ولكنك لست خصمي، فلأصطنع شيئاً من الجد الذي يليق بهذا المجمع." هذا الجزء يكشف جانبًا من شخصية طه حسين المرحة والعفوية وقدرته على السخرية البناءة.

 

**القسم الثاني: الخطب العربية والدولية**

يحتوي هذا القسم على الخطب التي ألقاها طه حسين في عدد من الدول العربية في مناسبات ثقافية مختلفة، مما يدل على حضوره المؤثر على الساحة الثقافية العربية الأوسع:

*   **خطاب ألقاه بصفته رئيس اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية (15 يناير 1955):** في حفل الأساتذة المصريين بمكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، بحضور وزير المعارف السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك فهد فيما بعد).

*   **محاضرته في مؤتمر "لمن يكتب الأديب... للخاصة أم للعامة؟" (1955):** الذي عقدته كلية المقاصد الإسلامية ببيروت، وتُظهر رؤيته لجمهور الأدب ومهمة الكاتب.

*   **كلمته في افتتاح المؤتمر الأول للمجامع اللغوية العربية بدمشق (29 سبتمبر إلى 5 أكتوبر 1956):** بحضور الرئيس السوري آنذاك شكري القوتلي، مما يؤكد اهتمامه بوحدة اللغة العربية وتعزيز دور المجامع اللغوية.

*   إضافة إلى خطب أخرى ألقاها في لبنان وتونس، مما يبرز جولاته الثقافية وتأثيره على مستوى الوطن العربي.

 

**القسم الثالث: ردود طه حسين على القضايا الثقافية**

يخصصه الجباس لردود عميد الأدب العربي على القضايا الثقافية التي طرحتها عليه بعض المجلات والصحف، ضمن مجموعات من المفكرين استطلعت آراءهم في هذه القضايا. فكان يرد عليها ردودًا مكتوبة، أشبه بآراء في تحقيقات صحافية، ومنها:

*   **ردّه على ما طرحته عليه مجلة الهلال حول "نهضة الشرق العربي وموقفه إزاء المدنية الغربية":** في هذا الخطاب يشير إلى إفادة مصر وبلاد الشام من الحضارة الغربية، لكن بطريقتين مختلفتين، ويقول: "في العلم، يجب أن نندفع في الطريق العلمية الغربية اندفاعاً لا حدّ له إلا مقدرتنا الخاصة، لأن العلم قد أصبح غربياً خالصاً، وليس لنا فيه نصيب قومي.

  •  وعلى العكس من ذلك، في الفن والأدب والحياة الاجتماعية، فلنا فنوننا وآدابنا ونظامنا الاجتماعي.
  •  وواجبنا هو أن نحتفظ بشخصيتنا قوية واضحة في هذه الأشياء، وألا نقتبس من أدب الغرب وفنّه
  •  ونظامه الاجتماعي إلا ما يمكّن شخصيتنا من أن تنمو وتتطور وتحتفظ بما بينها وبين العالم المتحضر
  •  من الاتصال." هذا الرد يُجسد رؤيته المتوازنة في الأخذ من الحضارة الغربية دون ذوبان في هويتها
  •  مع الحفاظ على الأصالة الثقافية العربية.

 


**أهمية "خطب طه حسين المجهولة"**

 

يُعد كتاب "خطب طه حسين المجهولة" إضافة نوعية وهامة للمكتبة العربية، فهو لا يكتشف فقط جانبًا جديدًا من إنتاج طه حسين، بل يقدم أيضًا نظرة عميقة وشاملة لآرائه في قضايا جوهرية تتعلق باللغة والأدب والسياسة والهوية. يثري هذا الكتاب فهمنا لشخصية طه حسين الفكرية، ويكشف عن مدى اتساع اهتماماته وتأثيره في عصره، ويؤكد استمرارية أفكاره ورؤاه في مواجهة تحديات الحاضر.

 فى الختام

بجهد بحثي مضنٍ، نجح سامح الجباس في إنقاذ هذه الخطب من غياهب النسيان، مقدمًا بذلك إرثًا ثقافيًا لا يقدر بثمن، ويعيد إحياء صوت عميد الأدب العربي ليسمعه جيل جديد من القراء والباحثين. هذا الكتاب ليس مجرد مجموعة خطب، بل هو نافذة على عقل مفكر مستنير، ومُجدد دائمًا في رؤاه وأفكاره، ليظل طه حسين أيقونة التنوير العربي، ورمزًا للعطاء الفكري الذي لا ينضب.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent